close
الحرب على الفساد.. مساعٍ جادة أم تحويل للأنظار عن احتجاجات تطاوين؟

الحرب على الفساد.. مساعٍ جادة أم تحويل للأنظار عن احتجاجات تطاوين؟

رئيس الحكومة التونسية يعلن الحرب على الفساد.. مساعٍ جادة أم تحويل للأنظار عن احتجاجات تطاوين؟


حرب حقيقية ضد الفساد، صراع نفوذ داخل الدولة، أم تحويل أنظار التونسيين عما يحدث من احتجاجات اجتماعية في الجنوب التونسي؟ أسئلة عدة تدور في أذهان التونسيين بعد أن أعلن رئيس حكومتهم، يوسف الشاهد، عن "حملة ضد الفساد الذي ينخر كيان الدولة ويهدد بسقوطها".
وشملت الحملة اعتقالات في صفوف رجال أعمال وكبار المهربين وسياسيين سابقين، ولا تزال القائمة طويلة. 

عزيمة على محاربة الفساد

"إما تونس وإما الفساد.. وأنا اخترت تونس"، هذه كلمات مقتضبة لرئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، أعلن خلالها مساء الأربعاء 24 مايو/أيار 2017 شنّه حرباً بلا هوادة على الفساد وكبار الفاسدين من رجال الأعمال وكبار المهربين وموظفي الدولة، في خطوة وُصفت بغير المسبوقة بتاريخ تونس ولاقت حزاماً شعبياً وسياسياً داعماً لها حتى من أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية.
الشاهد، دعا خلال كلمته التونسيين للوقوف والتوحد جنباً إلى جنب مع الحكومة في معركتها في سبيل إنقاذ البلاد من سرطان الفساد، الذي "بلغ مستويات قياسية وفتك بأجهزة الدولة ومؤسساتها"، وفق ما أكدته سابقاً تقارير محلية ودولية، منها تقرير اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق حول الرّشوة والفساد لسنة 2011.
وآخرها تقرير لجنة مجموعة الأزمات الدولية، الصادر في 10 مايو/أيار 20177، والذي حذرت خلاله من بلوغ الفساد مراحل خطيرة في تونس ومن ارتفاع مظاهر الإثراء غير المشروع ممن وصفتهم بـ"بارونات" الاقتصاد الموازي والتهريب، فضلاً عن تحكّم المئات من "رجال الظل" النافذين في الدولة وعرقلتهم المسار الإصلاحي والتنموي في البلاد مقابل الدفاع عن مصالحهم الضيقة.

اعتقالات تطول رجال أعمال وكبار المهربين

سلسلة الاعتقالات التي انطلقت منذ الثلاثاء 23 مايو/أيار 2017، ولا تزال فصولها متواصلةً حتى اللحظة- طالت رجال أعمال اتُّهموا بالفساد وبتمويل سياسيين وإعلاميين ونواب في البرلمان وحتى أحزاب في الحكم.
وأبرز المتهمين الذين أُلقي عليهم القبض، ياسين الشنوفي وهو رجل أعمال ومرشح سابق للرئاسة، وشفيق الجراية رجل الأعمال النافذ، الذي طالما أثار الجدل بتصريحاته التي تفاخر خلالها بـ"شرائه ذمم سياسيين ونواب وإعلاميين"، متحدياً في أحد البرامج التلفزية رئيس الحكومة في قدرته على إدخاله للسجن.

رجل الأعمال شفيق الجراية الذي تم القبض عليه، عُرف أيضاً بعلاقاته الوطيدة بحزب "نداء تونس" وبنجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وكان أحد أهم الداعمين للحملات الانتخابية لهذا الحزب بشهادة قياديين في "نداء تونس".

حرب على الفساد يشوبها التوجُّس

ثناء التونسيين على قرارات رئيس الحكومة وإعلانهم الوقوف معه صفاً واحداً في حربه ضد الفساد، لم يخفيا أيضاً مخاوف الكثيرين من ألا يمضي الرجل إلى النهاية نحو محاربة الفساد ومحاكمة المتهمين به، وليس مجرد الاكتفاء بالإيقافات ووضعهم تحت الإقامة الجبرية بموجب قانون الطوارئ، وهو ماذهب إليه الكاتب والمحلل السياسي صافي سعيد، الذي عبر في تصريح لـ"هاف بوست عربي" عن خشيته من أن تكون العملية مجرد ذرٍّ للرماد على العيون وتحويل أنظار التونسيين عن قضايا أخرى.
وقال سعيد إن "قرارات الإيقافات التي اتخذها رئيس الحكومة بشأن رجال أعمال، لا نعرف كيف انطلقت ولا نعرف أيضاً كيف ستنتهي، ولا نعرف على أي منوال استند في قراراته؛ هل بمنوال العدالة التقليدية أو عدالة الطوارئ؟! كما أننا لا نعرف إن كانت هذه القرارات المتخذة هي نتيجة صراعات داخلية بين رئاسة الحكومة من جهة ورئاسة الدولة أو بين الحكومة وحزب نداء تونس، وتحديداً نجل الرئيس حافظ قائد السبسي؟".
الصافي، أعرب أيضاً عن خشيته أن تكون حرب الشاهد ضد الفساد هي خطوة لتحويل أنظار التونسيين عما يقع من احتجاجات اجتماعية في الجنوب التونسي، وتحديداً في محافظة تطاوين التي تشهد منذ أشهر اعتصاماً مفتوحاً لأبنائها من العاملين في القطاع النفطي، مطالبين بحقوقهم في التنمية والتشغيل وانتهت بمواجهات دموية بين الأمن والمحتجين، أسفرت عن وفاة أحد المعتصمين دهساً تحت عجلات سيارات الأمن خلال فض الاعتصام بمنطقة الكامور النفطية.

دعم مشروط

الناشط الحقوقي والسياسي ورئيس منظمة "أنا يقظ" -وهي منظمة رقابية مستقلة تونسية تعنى بمكافحة الفساد- أشرف العوادي، أكد في حديثه لـ"هاف بوست عربي" مساندة المنظمة لأي تحرك حكومي جدي في اتجاه محاربة الفساد، لكنه شدد في المقابل على أن هذا الدعم مشروط بمواصلة رئيس الحكومة محاربة الفساد حتى النهاية وإحالة الفاسدين للعدالة، محذراً في السياق ذاته من أن تكون سلسلة الاعتقالات انتقائية وأن تشمل أسماء متورطة في الفساد دون غيرها لاعتبارات سياسية أو براغماتية.
وكان محامي رجل الأعمال المعتقل شفيق جراية، فيصل الجدلاوي، استنكر في تصريح للقناة التونسية الأولى عدم إلقاء القبض على العديد من الأسماء الأخرى المتهمة في قضايا فساد على غرار رجل الأعمال المعروف كمال اللطيف، ورئيس حزب آفاق تونس ياسين إبراهيم، ونجل السبسي حافظ قايد السبسي، وفق قوله.

امتحان حقيقي للشاهد

القيادي في حزب التيار الديمقراطي (معارض) محمد عبو، اعتبر بدوره أن الشاهد في امتحان صعب أمام نفسه والدولة والتونسيين، ليثبت فعلياً مدى جديته في محاربة الفساد والفاسدين.
وأوضح عبو في تصريح لـ"هاف بوست عربي"، أن حزبه سيتعامل مع الخطوات التي بدأها رئيس الحكومة بحسن الظن وبدعم كبير في حال مضى في مكافحة الفساد حتى النهاية وحتى في حال إقدام الأحزاب الحاكمة على محاولة سحب الثقة منه لعدة اعتبارات.
عبو، اعتبر أن حملة الإيقافات التي بدأها "الشاهد" لأسماء بعينها لا تعد كافية، معبراً في الوقت ذاته عن أسفه أن يمر تتبع الفاسدين بقانون الطوارئ وليس بمحاضر الشرطة والأجهزة القضائية رغم آلاف المحاضر والقضايا المرفوعة ضد العديد من رجال الأعمال الفاسدين والموضوعة على ذمتهم من سنوات.

النهضة والنداء وازدواجية المواقف

أحزاب سياسية في الحكم -النهضة والنداء- أعلنت سابقاً دعمها تمرير قانون المصالحة مع رجال أعمال وموظفين سابقين في الدولة تعلقت بهم شبهات فساد واستغلال نفوذ واستيلاء على أموال عامة، أصدرت الأربعاء 24 مايو/أيار 2014، بياناتٍ مساندةً للخطوة التي اتخذها رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في محاربة الفساد، وهو ما اعتبره كثيرون ازدواجاً في المواقف وتناقضاً صارخاً بين دعم محاربة الفساد من جهة ودعم إفلات الفاسدين من العقوبة.
يُذكر أن إعلان "الشاهد" الحرب ضد الفساد لاقى تجاوباً شعبياً منقطع النظير، حيث دشن تونسيون هاشتاغاً دعماً لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بعنوان "#نقف_مع_يوسف". 

شارك الموضوع إذا أعجبك :